فصل: بحثان يتعلقان بالشفاعة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.ولابد أن نعرف ما هي النفس؟

كلمة النفس إذا وردت في القرآن الكريم. فافهم أن لها علاقة بالروح. حينما تتصل الروح بالمادة وتعطيها الحياة توجد النفس. المادة وحدها قبل أن تتصل بها الروح تكون مقهورة ومنقادة مسبحة لله. فلا تقل الحياة الروحية والحياة المادية. لأن الروح مسبحة والمادة مسبحة. ولكن عندما تلتقي الروح بالمادة وتبدأ الحياة وتتحرك الشهوات يبدأ الخلل. والموت يترتب عليه خروج الروح من الجسد. الروح تذهب إلى عالمها التسخيري. والمادة تذهب إلى عالمها التسخيري. وذلك يجعلنا نفهم قول الحق سبحانه وتعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النور: 24].
لماذا تشهد؟ لأنها لم تعد مسخرة للإنسان تتبع أوامره في الطاعة والمعصية. فحواسك مسخرة لك بأمر الله في الحياة الدنيا وهي مسبحة وعابدة. فإذا أطاعتك في معصية فإنها تلعنك لأنك أجبرتها على المعصية فتأتي يوم القيامة وتشهد عليك. والله سبحانه وتعالى يقول: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7- 8].
ولقد شاع عند الناس لفظ الحياة المادية والحياة الروحية. لأن الحياة الروحية تختلف عن الروح التي في جسدك. وهي تنطبق على الملائكة مصداقا لقوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} [الشعراء: 193].
وقوله جل جلاله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52].
هذه هي الروح التي فيها النقاء والصفاء. وقوله تعالى: {وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ}. أي أن الله سبحانه وتعالى إذا أقضى عليهم العذاب لا يستطيع أحد نصرهم أو وقف عذابهم. لا يمكن أن يحدث هذا. لأن الأمر كله لله. اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
أولا: أتأمرون الاستفهام خرج عن حقيقته إلى معنى التوبيخ والتقريع.
ثانيا: أتى بالمضارع أتأمرون وإن كان قد وقع ذلك منهم، لأن صيغة المضارع تفيد التجدد والحدوث، وعبر عن ترك فعلهم بالنسيان وتنسون أنفسكم مبالغة في الترك، فكأنه لا يجري لهم على بال، وعلقه بالأنفس توكيدا للمبالغة في الغفلة المفرطة، ولا يخفى ما في الجملة الحالية وأنتم تتلون الكتاب من التبكيت والتقريع والتوبيخ، على سوء الفعل والصنيع!!
ثالثا: وأني فضلتكم على العالمين هو من باب عطف الخاص على العام لبيان الكمال، لأن النعمة اندرج تحتها التفضيل المذكور، فلما قال: اذكروا نعمتي عم جميع النعم فلما عطف وأني فضلتكم كان من باب عطف الخاص على العام، اعتناء بشأن الخاص، لأنه نعمة أكبر.
رابعًا: واتقوا يوما التنكير للتهويل أي يوما شديد الهول، وتنكير النفس نفس عن نفس ليفيد العموم والإقناط الكلي. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{يومًا} مفعول به، ولابد من حذف مضاف أي: عذاب يوم أو هول يوم، وأجيز أن يكون منصوبًا على الظرف، والمفعول محذوف تقديره: واتقوا العَذَاب في يومٍ صِفَتثهُ كَيْتَ وَكَيْتَ.
ومنع أبو البقاء كونه ظرفًا، قال: لأن الأمر بالتقوى لا يقع في يوم القيامة.
والجواب عما قاله: أن الأمر بالحَذَرِ من الأسباب المؤدّية إلى العقاب في يوم القيامة.
وأصل {اتَّقُوا} اوْتَقُوا، ففعل به ما تقدم في {تَتَّقُونَ} [البقرة: 21].
قوله: {لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ}.
التنكير في {نفس} و{شيئًا} معناه أن نفسًا من الأنفس لا تجزي عن نفس مثلها شيئًا من الأشياء، وكذلك في {شَفَاعة} و{عَدْل}.
قال الزمخشريك و{شيئًا} مفعول به على أن تجزي بمعنى تقتضي، أي: لا تقضي نفسٌ عن غيرها شيئًا من الحُقُوق، ويجوز أن يكون في موضع مَصْدَر، أي: قليلًا من الجزاء كقوله: {وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئًا} [مريم: 60]، أي: شيئًا من الجزاء؛ لأن الجزاء شيء، فوضع العام موضع الخاص.
واحْتَزَأْتُ بالشَّيء اجْتِزَاءً: اكْتَفَيْتُ، قال الشاعر: الوافر:
بأَنَّ الغَدْرَ في الأَقْوَامِ عَارٌ ** وَأَنَّ الحُرَّ يَجْزَأُ بِالكُرَاعِ

أي: يجتزئ به.
والجملة في محلّ نصب صفة ل {يومًا} والعائد محذوف، والتقدير: لا تَجْزِي فيه، ثم حذف الجار والمجرور، لأن الظروف يتّسع فيها ما لا يتّسع في غيرها، وهذا مذهب سيبويه.
وقيل: بل حذف بعد حذف حَرْفِ الجَرّ، ووصول الفعل إليه فصار: لا تجزية؛ كقوله: الطويل:
وَيَوْمٍ شَهِدْنَاهُ سُلَيْمًا وَعَامِرًا ** قَلِيلٍ سِوَى الطَّعْنِ النَّهَالِ نَوَافِلُهْ

ويُعْزَى للأخفش، إلاّ أن المهدوي نقل أن أن الوجهين المتقدّمين جائزان عند الأخفش وسيبويه والزجاج؛ ويدلّ على حذف عائد الموصوف إذا كان منصوبًا قوله: الوافر:
فَمَا أَدْرِي أَغَيَّرَهُمٍ قَنَاءٍ ** وَطُولُ الدَّهْرِ أَمْ مَالٌ أَصَابُوا

أي: أصابوه، ويجوز عند الكوفيين أن يكون التقدير: يومًا يوم لا تَجْزي نفسٌ، فيصير كقوله تعالى: {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ} [الانفطار: 19]، ويكون اليوم الثاني بدلًا من يومًا الأول، ثم حذف المُضَاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، كقوله: {واسأل القرية} [يوسف: 82]، وعلى هذا لا يحتاج إلى تقدير عائدٍ؛ لأن الظرف متى أضيف إلى الجملة بعده لم يؤت له فيها بضمير، إلاّ في ضرورة شعر؛ كقوله: الوافر:
مَضَتْ مائَةٌ لِعَامَ وُلِدْتُ فِيهِ ** وَسَبْعٌ بَعْدَ ذَاكَ وَحِجَّتَانِ

و{عن نفس} متعلّق ب {تجزي} فهو في محلّ نصب به.
قال أبو البَقَاء: يجوز أن يكون نصبًا على الحال.
والجزاء: القضاء والمكافأة؛ قال: الرجز:
يَجْزِيهِ رَبُّ العَرْشِ عَنِّي إِذْ جَزَى ** جَنَّاتِ عَدْنٍ في العَلاَلِيِّ العُلا

والإجزاء: الإغناء والكِفَايَة، أجزأئي كذا: كفاني، قال: الطويل:
وأَجْزَأْتَ أَمْرَ العَالَمِينَ وَلَمْ يَكُنْ ** لِيَجْزَأَ إلاَّ كَامِلٌ وَايْنُ كَامِلِ

وأجْزَأْتُ وجَزَأْتُ متقاربانِ.
وقيل: إن الإِجْزَاء والجَزَاء بمعنَى، تقول فيه: جَزَيْتُهُ وأَجْزَيْتُهُ.
وقد قرئ: {تُجْزِئ} بضم حرف المُضَارعة من أجزأ.
قوله: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} هذه الجملة عطف على ما قبلها، فهو صفة أيضًا ل {يومًا} والعائد {منها} عليه محذوف كما تقدم، ولا يقبل منها فيه شفاعة.
و{شفاعة} مفعول لم يُسَمّ فاعله، فلذلك رُفِعَتْ.
وقرئ: {يُقْبَل} بالتذكير والتأنيث، فالتأنيث للفظ، والتذكير لأنه مؤنّث مجازي، وحسنه الفصل.
وقرئ: {ولا يَقْبَلُ} مبنيًا للفاعل وهو الله تعالى.
و{شَفَاعةٌ} نصبا مفعولًا به.
{وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} صفة أيضًا، والكلام فيه واضح.
و{منها} متعلّق ب {يُقْبَل} و{يُؤْخَذ}.
وأجاز أبو البقاء: أن يكون نصبًا على الحال؛ لأنه في الأصل صف ل {شفاعة} و{عَدْل} فلما قدم عليهما نصب على الحَالِ، ويتعلّق حينئذ بمحذوف، وهذا غير وَاضِحٍ، فإنّ المعنى منصب على تعلقه بالفعل، والضمير في {منها} يعود على {نفس} الثانية؛ لأنها أقرب مذكور، ويجوز أن يعود الضَّمير الأول على الأولى، وهي النفس الجازية، والثاني يعود على الثَّانية، وهي المجزيّ عنها، وهذا مُنَاسب.
و{الشَّفَاعة} مشتقة من الشَّفْع، وهو الزوج، ومنه الشُّفْعَة؛ لأنها ضَمَ ملك إلى غيره، والشافع والمشفوع له؛ لأن كلًا منهما يزوج نفسه بالآخرن ونَاقَةٌ شَفُوعٌ يجمع بين مَحْلَبَيْنِ في حَلْبَةٍ واحدة، وناقة شَافِعٌ: إذا اجتمع لها حَمْلٌ وَوَلَدٌ يَتْبَعُهَا.
وَالعَدْل بالفتح الفِدَاء وبالكَسْرِ: المِثْل، يقال: عَدْل وعَدِيل.
وقيل: عَدْل بالفتح المساوي للشيء قيمةً وقدرًا، وإن لم يكن من جنسه، وبالكَسْرِ: المساوي له في جنسه وجِرْمِهِ.
وحكى الطبري: أن من العرب من يكسر الذي بمعنى الفِدَاء، وأما عِدْل واحد الأعدال فهو بالكسر لا غيره.
وعَدْل واحد الشهود فبالفتح لا غير، وأما قوله عليه السلام: «لَمْ يَقْبَلِ الله مِنْهُ صَرْفًا وَعَدْلًا» فهو بالفتح أيضًا.
وقيل: المراد بالصَّرْف: النَّافلة، وبالعَدْل: الفريضة.
وقيل: الصَّرف: التوبة، والعَدْل: الفِدْيَة.
قوله: {وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ} جملة من مبتدأ وخبر معطوفة على ما قلها، وإنما أتى هنا بالجملة مصدّرة بالمبتدأ مخبرًا عنه بالمُضَارع تنبيهًا على المُبَالغة والتأكيد في عدم النصرة.
والضمير في قوله: {وَلاَ هُمْ} يعود على النَّفس؛ لأن المراد بها جنسُ الأنفس، وإنما عاد الضمير مذكرًا، وإن كانت النفس مؤنثةً؛ لأنّ المراد بها العباد والأَنَاسِيّ.
قال الزمخشري: كما تقول: ثلاثة أنفس.
يعني: إذا قصد به الذُّكُور؛ كقوله: الوافر:
ثَلاَثةُ أَنْفُسٍ وَثَلاَثُ ذوْدٍ

ولكن النُّحَاة نَصُّوا على أنه ضرورةٌ، فالأَوْلَى أن يعود على الكفار الذين اختصتهم الآية؛ كما قال ابن عطية.
والنَّصْر: العون، والأَنْصَار: الأَعْوَان، ومنه {مَنْ أنصاري إِلَى الله} [آل عمران: 52] والنّصر أيضًا الانتقام، انتصر زيد: انتقم، والنصر: الإتْيَان نَصَرْتُ أَرْضَ بني فلانِ: أتيتها؛ قال الشاعر: الطويل:
إذَا دَخَلَ الشَّهْرُ الحَرَامُ فَوَدِّعِي ** بِلاَدَ تَمِيمٍ وانْصُرِي أَرْضَ عَامِرِ

والنَّصْر: المطر، يقال: نصرت الأرض: مطرت.
قال القَفّال: تقول العرب: أرض مَنْصورَة أي ممطورة، والغَيْثُ ينصر البلاد: إذا أنبتها، ف: أنه أغاث أَهْلَهَا.
وقيل في قوله: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله} [الحج: 15] أي: لن يرزقه الله، كما يرزق الغَيْثُ البِلادَ.
والنَّصْر: العَطَاءُ؛ قال: الرجز:
إِنِّي وَأَسْطَارٍ سُطِرْنَ سَطْرَا ** لَقَائِلٌ يَا نَصْرٌ نَصْرٌ نَصْرَا

ويتعدّى ب {على} قال تعالى: {فانصرنا عَلَى القوم الكافرين} [البقرة: 286] وأما قوله: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ القوم} [الأنبياء: 77] فيحتمل التعدّي ب {من} ويحتمل أن يكون من التضمين.
أي: نصرناه بالانتقام له منهم. اهـ.

.بحثان يتعلقان بالشفاعة:

قال في الميزان:

.بحث فلسفي:

البراهين العقلية وإن قصرت عن إعطاء التفاصيل الواردة كتابا وسنة في المعاد لعدم نيلها المقدمات المتوسطة في الاستنتاج على ما ذكره الشيخ ابن سينا لكنها تنال ما يستقبله الإنسان من كمالاته العقلية والمثالية في صراطي السعادة والشقاوة بعد مفارقة نفسه بدنه من جهة التجرد العقلي والمثالي الناهض عليهما البرهان.
فالإنسان في بادئ أمره يحصل له من كل فعل يفعله هيئة نفسانية وحال من أحوال السعادة والشقاوة، ونعني بالسعادة ما هو خير له من حيث أنه إنسان، وبالشقاوة ما يقابل ذلك، ثم تصير تلك الأحوال بتكررها ملكة راسخة، ثم يتحصل منها صورة سعيدة أو شقية للنفس تكون مبدئا لهيئأت وصور نفسانية، فإن كانت سعيدة فأثارها وجودية ملائمة للصورة الجديدة، وللنفس التي هي بمنزلة المادة القابلة لها، وإن كانت شقية فأثارها أمور عدمية ترجع بالتحليل إلى الفقدان والشر، فالنفس السعيدة تلتذ بآثارها بما هي انسان، وتلتذ بها بما هي انسان سعيد بالفعل، والنفس الشقية وإن كانت آثارها مستأنسة لها وملائمة بما أنها مبدأ لها لكنها تتألم بها بما إنها انسان، هذا بالنسبة إلى النفوس الكاملة في جانب السعادة والشقاوة، أعني الإنسان السعيد ذاتا والصالح عملا والإنسان الشقى ذاتا والطالح عملا، واما الناقصة في سعادتها وشقاوتها فالانسان السعيد ذاتا الشقى فعلا بمعنى أن يكون ذاته ذات صورة سعيدة بالاعتقاد الحق الثابت غير أن في نفسه هيئات شقية ردية من الذنوب والآثام اكتسبتها حين تعلقها بالبدن الدنيوي وارتضاعها من ثدي الاختيار، فهي امور قسرية غير ملائمة لذاتة، وقد أقيم البرهان على أن القسر لا يدوم، فهذه النفس سترزق التطهر منها في برزخ أو قيمة على حسب قوة رسوخها في النفس، وكذلك الأمر فيما للنفس الشقية من الهيئات العارضة السعيدة فانها ستسلب عنها وتزول سريعا أو بطيئا، واما النفس التي لم تتم لها فعلية السعادة والشقاوة فيالحياة الدنيا حتى فارقت البدن مستضعفة ناقصة فهي من المرجئين لامر الله عز وجل، فهذا ما يقتضيه البراهين في المجازاة بالثواب والعقاب المقتضية لكونها من لوازم الأعمال ونتائجها، لوجوب رجوع الروابط الوضعية الاعتبارية بالآخرة إلى روابط حقيقية وجودية هذا.
ثم أن البراهين قائمة على أن الكمال الوجودي مختلف بحسب مراتب الكمال والنقص والشدة والضعف وهو التشكيك خاصة في النور المجرد فلهذه النفوس مراتب مختلفة في القرب والبعد من مبدأ الكمال ومنتهاه في سيرها الارتقائي وعودها إلى ما بدأت منها وهي بعضها فوق بعض، وهذه شأن العلل الفاعلية بمعنى ما به ووسائط الفيض، فلبعض النفوس وهي النفوس التامة الكاملة كنفوس الأنبياء عليهم السلام وخاصة من هو في أرقي درجات الكمال والفعلية وساطة في زوال الهيئات الشقية الردية القسرية من نفوس الضعفاء، ومن دونهم من السعداء إذا لزمتها قسرا، وهذه هي الشفاعة الخاصة بأصحاب الذنوب.